فصل: غزاة العساكر حلب إلى الافرنج.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.غزاة العساكر حلب إلى الافرنج.

ثم اجتمعت عساكر حلب مع الأمير اسوار نائب الاتابك زنكي بحلب في شعبان سنة ثلاثين وساروا غازين إلى بلاد الافرنج وقصدوا اللاذقية على غرة فنالوا منها وانساحوا في بسائطها واكتسحوها وامتلات أيديهم من الغنائم وخربوا بلاد اللاذقية وما جاورها وخرجوا على شيرز وملؤا الشام بالاتراك والظهر ووهن الافرنج لذلك والله سبحانه وتعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده.

.حصار الاتابك زنكي مدينة حمص واستيلاؤه على بعدوين وهزيمة الافرنج واستيلاؤه على حمص.

ثم سار الاتابك في العساكر في شعبان سنة إحدى وثلاثين إلى مدينة حمص وبها يومئذ معين الدين ابن القائم بدولة صاحب دمشق وحمص من أقطاعه فقدم إليه صاحبه صلاح الدين الباغيسياني في تسليمها فاعتذر بأن ذلك ليس من الاصابة فحاصرها والرسل تردد بينهما وامتنعت عليه فرحل عنها إلى بغدوين من حصون الافرنج في شوال من السنة فجمع الافرنج وأوعبوا وزحفوا إليه واشتد القتال بينهم ثم هزم الله العدو ونجا المسلمين منهم ودخل ملوكهم إلى حصن بغدوين فامتنعوا به وشد الاتابك حصاره وذهب القسوس والرهبان إلى بلاد النصرانية من الروم والافرنج يستنجدونهم على المسلمين ويخوفونهم استيلاء الاتابك على قلعة بغدوين وما يخشي بعد ذلك من ارتجاعهم بيت المقدس وجد الاتابك بعد ذلك في حصارها والتضيق عليها حتى جهدهم الحصار ومنع عنهم الأخبار ثم استأمنوا على أن يحملوا إليه خمسين ألف دينار فأجابهم وملك القلعة ثم سمعوا بمسير الروم والافرنج لانجادهم وكان الاتابك خلال الحصار قد فتح المعرة وكفر طاب في الولايات التي بين حلب وحماة ووهن الافرنج ثم سار الاتابك زنكي في محرم سنة اثنتين وثلاثين إلى بعلبك وملك حصن الممدل من أعمال صاحب دمشق وبعث إليه نائب باساس بالطاعة كذلك ثم كانت حادثة ملك الروم ومنازلته حلب كما نذكره فسار إلى سلمية ولما انجلت حادثة الروم رجع إلى حصار حمص وبعث إلى محمود صاحب دمشق في خطبة أمه مردخان بنت جاولي التي قتلت ابنها فتزوجها وملك حمص وقلعتها وحملت الخاتون إليه في رمضان وظن أنه يملك دمشق بزواجها فلم يحصل على شيء من ذلك والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده.

.مسير الروم إلى الشام وملكهم مراغة.

ولما استنجد الافرنج ببغدوين ملك أمم النصرانية كما مر جمع ملك الروم بالقسطنطينية وركب البحر سنة إحدى وثلاثين ولحقته أساطيله وسار إلى مدينة قيقية فحاصرها وصالحوه بالمال وسار عنها إلى ادنة والمصيصة وهما لابن ليون الارمني صاحب قلاع الدروب فحاصرهما وملكها وسار إلى عين زربة فملكها عنوة وملك تل حمدون ونقل أهله إلى جزيرة قبرص ثم ملك مدينة انطاكية في ذي القعدة من السنة وبها رغيد من ملوك الافرنج فصالحه ورجع إلى بفراس ودخل منها إلى بلاد ابن لبون فصالحه بالأموال ودخل في طاعته ثم خرج إلى الشام أول سنة اثنتين وثلاثين وحاصر مراغة على ستة فراسخ من حلب وبعثوا بالصريخ إلى الاتابك زنكي فبعث بالعساكر إلى حلب لحمايتها وقاتل ملك الروم مراغة فملكها بالامان منتصف السنة ثم غدر بهم واستباحهم ورحل إلى حلب فنزل بدابق ومعه الافرنج ورجعوا من الغد إلى حلب وحاصروها ثلاثا فامتنعت عليهم وقتل عليها بطريق كبير منهم ورحل عنها إلى قلعة الاتاود في شعبان من السنة فهرب عنها أهلها ووضع الروم بها الاسرى والسبي وأنزلوا بها حامية وبعث إليهم أسوار نائب حلب عسكرا فقتلوا الحامية وخلصوا الاسرى والسبي ورحل الاتابك من حصن الاثارب بعد فتحه إلى سلمية وقطع الفرات إلى الرقة واتبع الروم فقطع عنهم الميرة وقصد الروم قلعة شيزر وبها سلطان ابن علي مقلد بن نصر بن منقذ الكناني فحاضروها ونصبوا المجانيق عليها واستصرخ صاحبها بالاتابك زنكي فسار إليه ونزل نهر العاصي بين شيزر وحماة وبعث السرايا تختطف من حول معسكر الروم وبعث إلى الروم يدعوهم إلى المناجزة والنزول إلى البسيط فخافوا عن ذلك فرجع إلى التضريب بين الروم والإفرنج يحذر أحد الفريقين من الآخر حتى استراب كل بصاحبه فرحل ملك الروم في رمضان من السنة بعد حصار شيرز أربعين يوما وأتبعه الاتابك فلحقهم واستلحمهم واستباحهم ثم أرسل القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري إلى السلطان مسعود يستنجده على العدو ويحذره الروم واستيلاءهم على حلب وينحدرون من الفرات إلى بغداد فوضع القاضي كمال الدين في جامع القصر من ينادي بصريخ المسلمين والخطيب على المنبر وكذا في جامع السلطان فعظم الصراخ والبكاء وتسايلت العوام من كل جانب وجاؤا إلى دار السلطان في تلك الحالة وقد وقع العويل والصراخ فعظم الهول على السلطان مسعود وجهز عسكرا عظيما وخاف القاضي كمال الدين غائلته ثم وصل الخبر برحيل ملك الروم فأخبر القاضي السلطان مسعود بذلك ومن مسير العساكر والله تعالى أعلم.